قراءة في نص ( مجاز مثقوب ) للشاعر سالم الحمداني النص //
( مجاز مثقوب )
لا أخجل أبدا ..
وأنا أتلصص من ثقب الزمن
لأري مفاتن الكلمة
وهي تنزع معانيها
ولا يمكن لي أن أتصور
ولو لمرة ..
أن طريق الذهاب يعيدني لبداياتي
بلا قدمين
وبعد صراعي مع أشرعة الفكرة
ابتلعتني ذؤاباتها الفاتنة
فاحالتني طريح جدل مزمن
يشاكس نزوة التاريخ بحذر
وكلما تراقص غصن شجرة
تيقنت من هزيمة سحب المراوغات
وإن تغشى بجنح تعويذة لغوية
لا تراهن ..
فحينما تكون في رحى خطوط مرسومة سلفا
تهجد دوائر الموت ببطأ
كفي عني كل مماحكاتك
فجيب المجاز مثفوب دائما
ولؤلؤتي الحمراء
تناثر ضياؤها على مساحة طيني
وفسيفساء عزفي
بات نزقا
لا يعرف النشاز .
——————
القراءة //
الغموض والتأويل ورمزية الفراغ اللغوي تزاوج الواقع بالمتخيل ..
إنّ استراتيجية بناء قول شعريّ لا يكمن في ما يودُّ الشاعر قوله ، وإنما في ما تقوله القصيدة ، فجيب المجاز مثقوب ..
بين طيّآت المعاني الثاوية في صناعة الفكرة بتدفُّقها الفطري في الصنعة المتنقلة من الدلالة المباشرة للبناء الهرمي التصاعدي للمعنى ، إلى تشابك المخيلة التي تمثل نسجاً إيحائياً ذا سمة إيقاعية مغلفة من الداخل بالتأويل ورمزية الفكرة ومساراتها الظواهراتية حين تنجذب الدوال إلى دلالات متعددة ، تعتمد في مكنونها على الاستنباط الاستقرائي ، فالشاعر لا يرى الأشياء على صورة ما يراها غيرُه ، وإنما يرى ما تراه المخيلة وما تجسده اللغة ذاتها في لحظة التجلّي ، حين يُمعنُ خياله الجامح في طبقات اللغة المأخوذة بالقلق النفسي المتذبذب .. بصيغة حقيقة محايدة تتأتى من التدفق المباشر الذي يتلصص من ثقب الزمن ليرى مفاتن اللغة وهي تنزع معانيها .. ف شقاء اللغة من كوّات عذابات حياتية ، في زمن الدكتاتورية الطاغية على المشهد والتي وصلت حد ( التوارث ) فيما تكون اللغة وإحالاتها الفنية هي المتأثر المباشر كونها نتاج اجتماعي بالدرجة الأولى كما أشارت بنيوية ( دي سوسور ) وانعكاساتها التي تمثل نسجاً للغموض الشعريّ الذي يقض مضاجع الخيال المتمثل في روعة الخيال الإنساني المبدع إلى أقصى متاهات خيال مرتكز في واقع مرير تفرضه الأوضاع السائدة ، من حيث الصور المشهدية التي تكشف المعاني المتماهية بجدلية المخيلة التي تصنع معنىً آخر ، ورغبة اللغة الواقعية ..
ف» الرّغبة هي الوحيدة التي تخيف الموت « ، ليضفي نبرة موضوعية للتعبير عن فكرة ما .. لا يستطيع الإفصاح عنها لسبب من الأسباب بعيداً أو تماهيا حتى عن الأيديولوجية السياسية في أحداثها الرمز .. فالمجاز مثقوب ..ثمة فارق كبير إلى حدّ التّناقض ، بين ما تقوله القصيدة فعلاً ، ومما نعتقد بأننا نقوله في الواقع ..حين يكتمل الفراغ وتتضح الرؤية ويُكتشف السر عن ما تقوله اللغة ..
فكلّ شكل للمعنى ينتج فكرته الخاصة ، ورؤيته الخاصة، فالمعنى ينبع من الشكل ولا ينبع الشكل من المعنى ، وإن تفشى بجنح تعويذة لغوية ..
لا تراهن ..فالغموض والتأويل ورمزية الفراغ اللغوي تزاوج الواقع بالمتخيل .. وهذا الفعل يمكنها من أن تثير حفيظة المتلقي بفلسفة الإيقاع الذي لا يُبنى من الخارج بقدر ما يتشكل من الداخل ..
أتلمس طريق لغة جديدة تتحرك وفق خط تصاعدي تتوالى فيه الهرمية البنائية من قاعدة وسيعة إلى قمّة مرئية بالإحساس ، وربما إن جاز لي التعبير مرئية بالعين المجرّدة ..
فالمجاز مثقوب
دام لك الفكر المبدع والمتألق عزيزي الحمداني ..
بقلم / فوزية أوزدمير